ResourcesPress Release

حتى قبل الزلزال، كان الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في سوريا أمراً شاقاً بسب النزاع: تقرير

تقرير مشترك جديد صادر عن منظمات إنسانية وطبية دولية رائدة يعتبر الدراسة الأكثر شمولاً حتى الآن لآثار النزاع السوري على تعطيل خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في شمال غرب سوريا

بعد مرور 12 عاماً على بداية النزاع في سوريا، يوثق تقرير جديد كيف أدى العنف المتعمد ضد العاملين الصحيين والبنية التحتية الصحية إلى إعاقة الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، مما خلف أضراراً بعيدة المدى على صحة النساء والفتيات وعافيتهن. وقد أدى الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا في شباط/فبراير 2023 إلى تفاقم صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية المحفوفة بالمخاطر أصلاً في المنطقة، مما يساهم في انهيار نظام الرعاية الصحية الهش في شمال غرب سوريا.

“هي من تدفع أغلى ثمن: تأثير الصراع على خدمات الصحةالجنسية والإنجابية في شمال غرب سوريا” تقرير مشترك صادر عن أطباء من أجل حقوق الإنسان ولجنة الإنقاذ الدولية، وسوريا للإغاثة والتنمية، والجمعية الطبية السورية الأمريكية، يعرض بالتفصيل كيف أدى الصراع المتواصل والهجمات المتعمدة على المستشفيات وأخصائيي الرعاية الصحية إلى تأجيج الأزمة في شمال غرب سوريا، مما حد من توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المنقذة للحياة وزاد صعوبة الحصول عليها.

يسلط التقرير – الذي يستند إلى مقابلات مع أكثر من 260 من العاملين الصحيين والمرضى أجريت في شمال غرب سوريا في عام 2022 – الضوء على العوائق التي واجهتها النساء والفتيات، حتى قبل الزلزال، في الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية مثل الرعاية الصحية للأمهات والأطفال حديثي الولادة، وتنظيم الأسرة، وخدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي، والرعاية بعد الإجهاض، وعلاج ورعاية الأمراض المنقولة عن طريق الجنس.

على سبيل المثال، أجبرت الهجمات المتواصلة منذ سنوات على مرافق الرعاية الصحية في شمال غرب سوريا، النساء ومقدمي الخدمات الطبية على اختيار العمليات القيصرية الخطرة بدلاً من الولادة الطبيعية، وذلك جزئياً لتقليل الوقت الذي يقضونه داخل المرافق الصحية التي تتعرض لهجمات مسلحة ويمكن أن تكون خطرة على حياة جميع المعنيين. ففي الفترة 2021-2022، بلغ متوسط معدل الولادات القيصرية في المرافق الصحية 23% من إجمالي الولادات – وهو أعلى من معدلات قبل النزاع. كما يحجم المرضى عن زيارات الرعاية السابقة للولادة للحد من التعرض لهجمات محتملة. وقال عامل صحي في إدلب السورية:

“بعد استهداف المرافق الصحية، كفّت الحوامل عن مراجعتنا إلا أثناء المخاض، بدلاً من مراجعتنا أربع أو ست مرات أثناء فترة الحمل. وعندما سألناهن عن سبب تأخرهن في القدوم للحصول على الرعاية الطبية، أجبن: من يجرؤ على زيارة مستشفى مستهدفة؟ المكوث فيها ضرب من الجنون.

أدت أضرار الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في شمال غرب سوريا، مما زاد الحاجة إلى الخدمات الصحية وفاقم الضغط على الطاقم الطبي والمرافق الطبية والموارد الصحية. ويُتوقع أن تؤثر الزيادة الكبيرة في النزوح وتدمير الطرق ونقص الوقود ومحدودية الخدمات الصحية والأدوية والمعدات الطبية على قرابة 148 ألف امرأة حامل، ينتظر أن تلد 37000 منهن في الأشهر الثلاثة المقبلة، وفقاً للتقرير.

يقول الدكتور حسام النحاس، الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أطباء من أجل حقوق الإنسان ومؤلف مشارك في التقرير: “في الحرب السورية المدمرة، تدفع النساء الثمن الأعلى. إن حق الإنسان الأساسي في الصحة – بما في ذلك القدرة على ولادة طفل بأمان، وإضافة حياة جديدة إلى العالم – يُنتهك باستمرار في شمال غرب سوريا، حيث تنزل القنابل على المستشفيات كالمطر، ويتعرض العاملون الصحيون للاضطهاد.لقد أدت 12 عاماً من الإفلات من العقاب على مهاجمة مرافق الرعاية الصحية وكوادرها إلى تفاقم أزمة الصحة الجنسية والإنجابية في سوريا. وعلى الأمم المتحدة والدول الأعضاء ووكالات المعونة أن تفي بالتزاماتها بتوفير رعاية الصحة الجنسية والإنجابية لملايين الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول عليها في المنطقة. إن الحاجة باتت أكثر إلحاحاً بسبب الزلازل المروعة والهزات الارتدادية التي قتلت وجرحت الآلاف ودمرت عدداً لا يحصى من المباني.”

يعرض التقرير الفجوة الهائلة بين توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وبين الطلب عليها. فمن بين 367 منشأة طبية عاملة في شمال غرب سوريا، هناك 7% فقط تقدم خدمات شاملة لرعاية الأمومة. ولا تتوفر خدمات رعاية الصحة الإنجابية للمرضى في العيادات سوى في أقل من 40% من المرافق. ورغم الجهود المبذولة لتوفير ولادة مجانية ورعاية مجانية للمواليد، فإن ازدحام المستشفيات يسبب نقصاً كبيراً في خدمات الأمهات والمواليد الجدد. وخلص التقرير إلى أن العنف في المنطقة ساهم أيضاً في النقص العام في مقدمي الرعاية الاختصاصيين، وخاصة القابلات وأطباء التوليد والأمراض النسائية. وفي مناطق الخطوط الأمامية تحديداً، اضطر مقدمو الرعاية الصحية إلى نقل عملياتهم بعيداً عن القتال، مما حد من عدد المرافق التي يمكن الوصول إليها رغم الحاجة المستمرة.

وقال الدكتور عقبة دغيم، مدير البرامج في منظمة سوريا للإغاثة والتنمية ومدير مشارك لمجموعة العمل الفنية المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، ومشارك في إعداد الدراسة: “ساهمت الهجمات المتكررة على قطاع الصحة والمترافقة مع الدمار الذي خلفته الزلازل في حدوث نقص حاد في المرافق الصحية والعاملين الصحيين، وحرمت الفئات الأولى بالرعاية – كالنساء والفتيات – من الوصول الكافي إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية. وأدى الانكماش الاقتصادي والفقر والتغيرات في تمويل المانحين إلى تفاقم هذه الأزمة، ومنع السوريين من الحصول على الرعاية المنقذة للحياة. هناك حاجة ماسة إلى تحسين النقل وزيادة المعلومات والموارد وتوسيع تغطية خدمات الصحة الإنجابية لتلبية الاحتياجات الملحة للملايين في شمال غرب سوريا.”

وقال الدكتور أمجد الراس رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية: “قلل قصف مرافق صحية مثل مستشفى الأتارب  ومستشفى الشفاء من الوصول إلى الاستشارات الأساسية للرعاية الإنجابية ورعاية الأطفال حديثي الولادة، مما عرض الأمهات والمواليد لخطر أكبر. لقد أنجبت بعض النساء في السيارة على الطريق إلى مرافق الرعاية الصحية بسبب بعد المسافة، واضطرت أخريات إلى الولادة في المنزل أثناء القصف العنيف. ولم تستطع نساء كثيرات تعرضن للإجهاض الوصول إلى مرافق الرعاية. لقد سببت سنوات طويلة من العنف نقصاً خطيراً في خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. وفي أعقاب الزلزال، أكدت التقييم السريع للحماية ما تعلمناه من أكثر من عقد من الصراع: النساء والفتيات هن الأكثر تضرراً من الزيادة الهائلة للاحتياجات.”

يقدم التقرير توصيات إلى مجتمع المساعدات الدولية، والحكومات المانحة، والمنظمات غير الحكومية، والجهات الحاكمة في سوريا، والهيئات الحكومية الدولية لدعم توفير الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية والوصول إليها في شمال غرب سوريا. ومن هذه التوصيات:

  • ضمان إيصال المساعدات الإنسانية الفورية دون عوائق إلى جميع المجتمعات المتضررة من الزلازل في شمال غرب سوريا على نطاق واسع وبسرعة، عبر جميع الطرق العاملة ودون قيود؛
  • وقف جميع الهجمات على الرعاية الصحية وضمان حماية العاملين الصحيين المكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني؛
  • تقديم الدعم المالي والفني لاعتماد استراتيجيات مستدامة لزيادة توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك استخدام مرافق صحية متنقلة للوصول إلى الفئات السكانية الأكثر ضعفاً؛
  • إدراج خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في التخطيط الاستراتيجي الصحي عموماً؛
  • تمكين المبادرات المجتمعية لإعادة تأهيل أنظمة الرعاية الصحية التي تلبي احتياجات السكان المرضى.

تقول تانيا إيفانز، المديرة القطرية للجنة الإنقاذ الدولية في سوريا: “إن النظام الصحي في شمال غرب سوريا بالكاد يستطيع الاستمرار. وقد تفاقمت الأعباء على هذا النظام بعد الزلزال الأخير الذي أدى إلى نزوح الآلاف مجدداً، ودمار في المراكز الصحية، وتوقف مؤقت في ضخ المستلزمات الطبية والأدوية. يظهر هذا التقرير التأثير غير المتساوي للصراع المستمر في سوريا على النساء والفتيات في شمال غرب سوريا، ويؤكد الحاجة لضمان حماية هذه الفئات المستضعفة من هذا الصراع وتبعاته.”

Get Updates from PHR