ResourcesBlog

في العراق، يواجه المصابون بفيروس كوفيد 19 العار والوصمة

يواجه العراقيون، كغيرهم من سكان العالم، تدابير حجر غير مسبوقة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا. وفي بلد ما زال يتعافى من عقود من الحرب والعقوبات والتطرف، يخشى الخبراء من عجزه عن مواجهة وباء كوفيد-19 بشكل ملائم في حال تفشيه على نطاق واسع. ويواجه العراقيون المصابون بهذا الفيروس تمييزاً عميقاً ضمن أحيائهم ومجتمعاتهم المحلية.  وهذا الاتجاه من الوصم يدفع المصابين، ولا سيما النساء، إلى إنكار الإصابة بالفيروس، وتجنب تدخلات طبية قد تكون كفيلة بإنقاذ حياتهم.

في العراق، يُحجر الأشخاص المشتبه بإصابتهم بكوفيد-19 بصورة مؤقتة لمدة 24-48 ساعة في أحد المرافق الطبية إلى حين ظهور نتائج الاختبار بسبب عدم وجود سياسة للحجر المنزلي. وفي حال كانت النتيجة إيجابية، يُحجر المصاب لمدة 14 يوماً في أحد المستشفيات المخصصة لمعالجة مرضى كوفيد-19. ولكن الكثير من العراقيين يخفون أعراضهم، ويرفضون الخضوع للاختبار.  ويرجع د. علي البياتي، وهو طبيب نفسي وعضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، هذا، جزئياً، إلى أن “المصابين يصبحون منبوذين (اجتماعياً)”. ويضيف: “الناس في حالة هلع، وبسبب قلة الوعي الصحي العام، لا يفهمون الوباء” أو سبل مواجهته.  

يدفع هذا الاتجاه من الوصم المصابين، ولا سيما النساء، إلى إنكار الإصابة بالفيروس، وتجنب تدخلات طبية قد تكون كفيلة بإنقاذ حياتهم.

أصبحت المقاومة شديدة لدرجة تدفع الحكومة العراقية، بشكل متزايد، إلى إرسال قوات أمن مسلحة مع الأخصائيين الطبيين للقبض على المصابين بالفيروس ونقلهم إلى المستشفيات. وواضح أن هذه التدابير تجرّم المصابين وأسرهم – وتذكر بأيام مظلمة في العراق عندما كانت قوات الأمن تعتقل المشتبه بهم من الأحياء وتقودهم إلى السجون. يقول الدكتور سيف ارزوقي، وهو طبيب باطنية في بغداد، إن “الكثير من المرضى يرفضون الخضوع للحجر، فهو بالنسبة لهم اتهام”.

في الواقع، هذه المعارضة الشديدة للفحص الطبي والتدخل الحكومي قد تساعد في معرفة سبب الانخفاض الكبير في عدد الحالات المعلن عنها في العراق مقارنة بجارته إيران، إحدى أكثر الدول تضرراً من كوفيد-19. فحتى 22 نيسان 2020، أعلنت وزارة الصحة العراقية عن 1,631 بينما يبلغ عدد السكان 38 مليون نسمة تقريباً، بينما تجاوز عدد الإصابات المسجلة رسمياً في إيران 85,000 مع أن عدد سكانها يبلغ ضعف عدد سكان العراق تقريباً. وفي مقالة نشرت مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز عن مقاومة الخضوع لاختبار كوفيد-19 في العراق، أقر وكيل وزير الصحة الدكتور حازم الجميلي بأن ذلك يُصعّب عمله في توجيه خطط الدولة لمواجهة الوباء. وأضاف: “نعم لدينا حالات مخفية لأن الناس لا يريدون الخضوع للاختبار لأنهم خائفون من الحجر والعزل”.

السبب الحقيقي وراء ذلك على الأرجح هو مزيج من ضعف الثقة بنظام الرعاية الصحية المترهل في العراق، ومن أعراف اجتماعية متجذرة. فنظام الرعاية الصحية العراقي من أضعف أنظمة المنطقة نتيجة عقود من النزاع والعقوبات الدولية الشاملة، فضلاً عن الفساد. ووفقاً للبنك الدولي، هناك 1.4 سرير و0.8 طبيب لكل 1,000 عراقي. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه، خلال العقد الأخير، بلغ متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة 161 دولاراً (مقابل 649 في لبنان و304 في الأردن).

يتزايد قلق الأخصائيين الطبيين ومجموعات حقوق الإنسان من عدم إرسال الكثير من الأسر لبناتهم إلى المستشفيات رغم ظهور أعراض المرض عليهن لأنهن سيكن دون حماية ومعزولات عن أسرهن.

وقد تكون النساء أكثر المتضررات من الوصمة الشديدة المرتبطة بالفيروس. ويقول الدكتور البياتي بأن هذا يمنعهن من الحصول على العلاج الطبي. ويعود ذلك غالباً إلى أعراف اجتماعية متجذرة، وسياسات حكومية لا تراعي هذه الأعراف. فالكثير من الأسر المحافظة، مثلاً، تعارض إخراج الزوجات والبنات من المنزل. وأظهر مقطع فيديو حديث على مواقع التواصل الاجتماعي رجلاً يهدد الحكومة في حال أخذوا زوجته إلى الحجر. وذكر الدكتور ارزوقي أنه عندما حوّل إحدى النساء إلى الحجر المؤقت، حاول افراد عائلتها إقناعه بأنها ليست مصابة بالفيروس دون أي أساس طبي. “كانت محاولة لتجنب الحجر” كما قال. وأبلغ طبيب يعمل في مركز صحي على أطراف بغداد أطباء من أجل حقوق الإنسان عن حالات جاءت فيها نساء إلى عيادته رغم عدم موافقة أزواجهن وإخوتهن.  

يتزايد قلق الأخصائيين الطبيين ومجموعات حقوق الإنسان من امتناع الكثير من الأسر عن إرسال بناتهم إلى المستشفيات رغم ظهور أعراض كوفيد-19 عليهن لأنهن سيصبحن بلا حماية ومعزولات عن أسرهن. إن عدم مراعاة تدابير الحكومة لمواجهة الوباء للفروقات الاجتماعية بين الرجال والنساء بشكل ملائم قد يؤدي عملياً إلى زيادة حرمان النساء من الحصول على خدمات رعاية صحية متساوية. وفي بعض المرافق الطبية، يجبر الرجال والنساء الذين ينتظرون نتائج اختباراتهم على البقاء في الغرف نفسها طوال فترة الحجر التي تمتد 24-48 ساعة. ووفقاً لطبيب في أحد المستشفيات الرئيسية في بغداد، فإن إجبار الأشخاص من الجنسين على تشارك غرف الحجر المؤقت يفاقم مخاوف الأسر بشأن سلامة أفرادها الإناث.

على الرغم من انهماك النظام الصحي في العراق مكتظة و النقص الحاد في الموارد والكوادر اللازمة لمواجهة وباء كوفيد-19، ينبغي على الحكومة العراقية تحسين اجراءات مجابهة الوباء، ومراعاة منظور النوع الاجتماعي بفعالية عند إجراء الإصلاحات المطلوبة. وعلى الحكومة وكافة القادة المجتمعيين الدفع باتجاه توعية السكان بأهمية احترام حقوق المرضى وخصوصيتهم ولا سيما النساء.

Get Updates from PHR