ResourcesPress Release

تقرير جديد يظهر أن عرقلة الحكومة السورية للمساعدات الإنسانية تدفع بالأنظمة الصحية إلى “انهيار وشيك” في شمال سوريا

تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان يقدم أدلة على تفاقم التفاوت واللامساواة في الخدمات الصحية في مختلف مناطق شمال سوريا بعد عقد كامل من هجوم الحكومة المتواصل على الرعاية الصحية

نيويورك عشية اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير 2022 للنظر في التجديد ستة أشهر أخرى لتصويت تموز/يوليو 2021 لإعادة تفويض آخر معبر حدودي مفتوح للمساعدات الإنسانية الدولية في شمال سوريا، يقدم تقرير جديد لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أدلة صارخة على التدهور الشديد للنظام الصحي بسبب عقد من الهجمات المتكررة والإهمال وضعف التنسيق. ويشدد التقرير على ضرورة ألا يكتفي مجلس الأمن بإعادة التصريح الفوري لمعبر باب الهوى من أجل حماية الحق في الصحة لملايين السوريين، بل أيضاً النظر في إعادة فتح المعابر الأخرى التي أغلقت في عام 2020.

بعد عشر سنوات على بدء النزاع السوري، وصل عدد السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية اليوم إلى 13.4 مليون شخص. وتتفاقم الأزمة في شمال سوريا بسبب مئات الغارات الجوية والهجمات الأخرى التي نفذتها بشكل أساسي الحكومة السورية وحليفتها روسيا على المرافق الصحية، والنزوح الهائل للسكان، والتدهور الاقتصادي الحاد في جميع أنحاء البلاد، والآثار المدمرة لموجات جائحة كوفيد-19. وقد أغلق معبرا اليعربية وباب السلام الحدوديان في كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2020 على التوالي، إثر استخدام روسيا والصين حق النقض ضد مشاريع قرارات مجلس الأمن لتجديد إدخال المساعدات عبرهما. ومعبر باب الهوى على الحدود السورية التركية هو الآن النقطة الوحيدة لدخول المساعدات الإنسانية الأممية مباشرة إلى السكان في شمال سوريا.

يقدم التقرير “تدمير وعرقلة وتقاعس: مقومات صنع أزمة صحية في شمال سوريا” صورة مروعة عن التفاوتات واللامساواة الصحية في ثلاث مناطق في شمال سوريا بسبب عشر سنوات من الهجمات المتكررة على قطاع الصحة، وبسبب الحكم المتداعي، والتمييز، ووباء كوفيد-19. ومن خلال تحليل العوامل المؤثرة على الأنظمة الصحية في شمال غرب سوريا وشمال شرق سوريا والمناطق التي تسيطر عليها تركيا، يفضح التقرير انتهاكات حق المدنيين السوريين في الصحة، بما في ذلك عدم توفر الرعاية الصحية وصعوبة الحصول عليها وعدم مقبوليتها وضعف جودتها. وتكشف نتائجه أيضاً أن النساء والفتيات والأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر تضرراً من التفاوتات الصحية.

يقول الدكتور حسام النحاس المشارك في كتابة التقرير، وهو طبيب سوري وناجٍ من الاحتجاز في سوريا وعمل باحثاً في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أطباء من أجل حقوق الإنسان (بين تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وآب/أغسطس 2021): “يعتمد مقدمو الخدمات الصحية الشجعان الباقون في أنظمة الرعاية الصحية في شمال سوريا الواقع خارج سيطرة الحكومة السورية على استمرار تدفق المساعدات الإنسانية للحفاظ على الخدمات الطبية، وتوفير اللقاحات المنقذة للحياة والأدوية الضرورية، والحفاظ على الموارد البشرية. والتمديد المقترح لمعبر باب الهوى ستة أشهر أخرى في كانون الثاني/يناير أمر بالغ الأهمية، لكن إعادة الترخيص له في تموز/يوليو 2022 أكثر أهمية حتى. فبدونه، ستواصل الحكومة السورية إعاقة إيصال المساعدات. وتقريرنا يبرهن أن معبر المساعدات الوحيد، رغم أهميته الكبيرة، غير كافٍ لمواجهة الكارثة الإنسانية الضخمة في شمال سوريا. على مجلس الأمن التغلب على تهديدات روسيا والصين باستخدام حق النقض والعمل على حماية ملايين الأشخاص المعرضين للخطر مع استمرار انتشار الوباء في شمال سوريا”.

بين آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 2021، أجرى باحثو أطباء من أجل حقوق الإنسان 20 مقابلة شبه منظمة مع أشخاص لديهم خبرة عملية في الأنظمة الصحية في شمال غرب وشمال شرق سوريا ومناطق سيطرة تركيا في سوريا. وكان بينهم عاملون صحيون، ومديرو مرافق صحية ومستشفيات، وباحثون في الأنظمة الصحية، وموظفو منظمات غير حكومية وجهات مانحة، وممثلون من وكالات الأمم المتحدة، وأطباء من جميع المناطق المذكورة. وكان لدى الجميع خبرة مباشرة في مواجهة كوفيد-19 في سوريا أو معرفة عميقة بالأوضاع الحالية للرعاية الصحية في كل منطقة من هذه المناطق.

وجد فريق الباحثين أنه على الرغم من أن المناطق التي غطاها التقرير (شمال غرب سوريا، شمال شرق سوريا، مناطق سيطرة تركيا) تختلف اختلافاً كبيراً فيما بينها، فإن كلاً منها يواجه طوارئ صحية عامة ناجمة عن نقص المرافق الصحية وعدم توزيعها بشكل متساوٍ، وعن نقص حاد في العاملين الصحيين المؤهلين والمتخصصين، وصعوبة الوصول المؤكد وميسور التكلفة إلى المعدات والإمدادات الطبية. وتقع المرافق الصحية في المناطق الثلاث جميعها أيضاً في المدن والبلدات، مما يؤدي إلى قلة أو انعدام فرص حصول سكان الريف على الرعاية الصحية.

يورد التقرير تفاصيل عن نقص الرعاية الصحية الإنجابية في شمال سوريا. وتشير المقابلات إلى أن الخيارات الصحية تخضع بشكل متزايد لظروف الندرة والنزاع وليس للتعليمات الصحية. وتفيد التقارير بأن النساء الحوامل يخترن إجراء عمليات قيصرية لتقليل وقت الولادة في المستشفيات لأن الجميع يعرفون أنها أهداف شائعة للهجمات. وبحسب أحد التقديرات، زادت نسبة الولادات القيصرية بأكثر من الضعف منذ بداية النزاع في عام 2011.

تؤكد نتائج التقرير أيضاً على التحديات المختلفة التي تواجه الأنظمة الصحية في شمال سوريا في التصدي لجائحة كوفيد-19 وللتمييز الهيكلي الذي تفاقم بسبب المخاوف الناجمة عنها. فالأنظمة الصحية تعاني بشكل متكرر من قلة لوازم العلاج والوقاية، ومن التمويل غير المتسق لإدارة الجائحة إدارة مستدامة، وتحويل الموارد إلى مجالات أخرى غير خاصة بكوفيد-19. وقد ساهمت عوامل مجتمعية كالانتشار الواسع للمعلومات المضللة، والعقبات المالية، واللامبالاة بتهديد الفيروس في ضعف التزام السكان بإرشادات كوفيد-19. وتُظهر النتائج أن هذه العوامل تلحق ضرراً أكبر بالنساء والفتيات والأشخاص ذوي الإعاقة، والذين لا يزالون يواجهون عقبات خطيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية، بما فيها رعاية كوفيد-19.

ورغم بذل بعض الجهود لمكافحة انتشار الفيروس، فإن شمال سوريا على وجه الخصوص يشهد الآن موجة كبيرة أخرى. ففي أيلول/سبتمبر 2021، زاد عدد الإصابات في الشمال الغربي بنسبة 170%، وامتلأت أقسام العناية المركزة، ووصلت المرافق الصحية المخصصة لمواجهة كوفيد-19 إلى طاقة استيعابها القصوى.

تؤكد شهادات المشاركين في المقابلات أيضاً أن الهجمات الدورية المدمرة والمعطِّلة على المرافق الصحية والعاملين فيها – ومعظمها تنفذه الحكومة السورية والقوات الروسية – لا تزال تلحق الضرر بالأنظمة الصحية، مما يؤخر الرعاية ويشكل ضغطاً هائلاً على المرافق. وقد تمكنت أطباء من أجل حقوق الإنسان، بين آذار/مارس 2011 وأيلول/سبتمبر 2021، من توثيق أكثر من 601 هجوماً على 350 منشأة منفصلة على الأقل ، فضلاً عن مقتل 930 موظفاً طبياً على الأقل أثناء النزاع.

يقول الدكتور زاهر سحلول، رئيس مجلس إدارة MEd Global: “بعد 11 عاماً من نزاع زاد من تعقيده التهجير واسع النطاق للسكان، والهجمات على الرعاية الصحية من قبل الحكومة وحلفائها، والتنافس بين قوى جيوسياسية لديها أجندات متضاربة، وفشل النظام الدولي في معالجة الأسباب العميقة للأزمة، تتزايد الفوارق الصحية مع تضاؤل المساعدات الإنسانية والإغاثية وتهديد إدخالها عبر الحدود باحتمال استخدام روسيا حق النقض مرة أخرى في خضم جائحة كوفيد-19 المتواصلة بشدة والتردد المقلق بشأن اللقاح. إذا كنا نهتم بملايين المدنيين الذين عانوا بما يكفي طوال العقد الماضي، علينا أن نصغي إليهم ونعاملهم بكرامة”.

تطالب أطباء من أجل حقوق الإنسان مجلس الأمن بإعادة ترخيص معبر باب الهوى، وكذلك إعادة فتح معبر باب السلام في شمال سوريا ومعبر اليعربية في الشمال الشرقي، في اجتماعه المقرر في كانون الثاني/يناير 2022. صحيح أن المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة يمكن من الناحية الفنية أن تتلقى مساعدات إنسانية عن طريق دمشق، بيد أن تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان لعام 2020 – الذي ركز على عرقلة ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة التي استعادتها الحكومة السورية في درعا – أظهر الفشل الذريع لهذا النظام، مما ترك الملايين دون الحصول على العلاج والخدمات الصحية دون مساعدات عبر الحدود. كما تطالب المنظمة مجلس الأمن بإعطاء الأولوية لتوزيع لقاحات كوفيد-19 بشكل عادل بين مناطق شمال سوريا.

ويدعو التقرير الجمهورية العربية السورية إلى الامتثال للمعايير الدنيا لتنسيق إعادة تأهيل النظام الصحي الإنساني لضمان المساواة في الحصول على الرعاية الصحية. كما يدعو الحكومة إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات على مرافق الرعاية الصحية وموظفيها، من أجل دعم حماية العاملين الصحيين المكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني.

وتحث أطباء من أجل حقوق الإنسان الجهات المانحة والإنسانية على مواصلة تمويل ودعم الأنظمة الصحية المحلية في سوريا، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية وهيئات التنسيق ومرافق الرعاية الصحية المحلية. كما تدعو المنظمة الجهات المانحة إلى الالتزام بتمويل الرعاية الصحية في شمال سوريا، بما في ذلك دعم التمويل المباشر للجهات المحلية المعنية بتوفير الرعاية الصحية وللأنشطة الإنسانية في مناطق سيطرة الحكومة التي لا توزع فيها مساعدات كافية.

Get Updates from PHR