ResourcesPress Release

دراسة جديدة تستعرض بالتفصيل حوادث اعتقال العاملين الصحيين وإخفائهم قسراً وقتلهم على يد الحكومة السورية منذ البداية

يكشف تحليل أجرته منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان لبيانات تم إعدادها مؤخراً أن الحكومة السورية كانت أكثر تشدداً في احتجاز واخفاء العاملين الصحيين الذين اعتنوا بالمتظاهرين المصابين مقارنة بالعاملين الصحيين الذين اعتقلوا لأسباب سياسية في السنوات الأولى من النزاع السوري

كان العاملون الصحيون الذين قدموا الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين في سوريا أكثر عرضة للاعتقال أو الموت أثناء الاحتجاز أو الاختفاء القسري من العاملين الصحيين الذين اعتقلوا لأسباب سياسية، بحسب دراسة صدرت اليوم عن أطباء من أجل حقوق الإنسان. وتؤكد نتائج الدراسة على وجود استراتيجية حكومية لاستهداف العاملين الصحيين منذ الأشهر الأولى من الصراع، عندما قوبل المتظاهرون السلميون المطالبون بالحقوق والديمقراطية في سوريا بقسوة وعنف وحشيين.

بالاستناد إلى مجموعة بيانات جديدة تضم معلومات عن 1,685 حالة احتجاز لـ 1,644 عاملاً صحياً في الفترة 2011-2012، تحلل الدراسة أنماط احتجاز الحكومة السورية العاملين الصحيين وإخفائهم قسراً وإساءة معاملتهم في السنوات الأولى من الانتفاضة السورية. كما وجد التحليل أن احتمالات الإفراج عن العاملين الصحيين المحتجزين من غير الأطباء كانت أقل من احتمالات الإفراج عن الأطباء، وكانوا أكثر عرضة للوفاة أثناء الاحتجاز أو للاختفاء القسري.

يسلط تقرير الناجون والموتى والمختفوناحتجاز العاملين الصحيين في سوريا، 2011-2012″ضوءاً جديداً على القمع الوحشي واسع النطاق الذي مارسه نظام الأسد بحق العاملين الصحيين بسبب تعاملهم مع معارضين مفترضين للحكومة، حتى في فترة الاحتجاجات السلمية الجماهيرية في البلاد. ووجد التقرير أن:

  • احتمالات إطلاق سراح العاملين الصحيين المحتجزين بسبب تقديم الرعاية الطبية لمتظاهرين مصابين كانت أقل بنسبة 91% من احتمالات إطلاق سراح العاملين الصحيين المحتجزين بسبب نشاط سياسي، واحتمالات الوفاة أثناء الاحتجاز أعلى بنسبة 400%، واحتمالات الاختفاء القسري أعلى بنسبة 550%.
  • احتمالات الإفراج عن الأطباء، الذين يمتلكون عادة موارد أكثر وصلات أوسع تساعد في اجتياز فترة الاحتجاز، أعلى بنسبة 143%، واحتمالات وفاتهم أثناء الاحتجاز أقل بنسبة 48%، واحتمالات اختفائهم القسري أقل بنسبة 52% مقارنة بالعاملين الصحيين من غير الأطباء، كالممرضات والصيادلة وطلاب الطب.

تقدر الأمم المتحدة أن قرابة 100 ألف سوري اختفوا قسراً وأن عشرات الآلاف من المدنيين قضوا في مراكز الاحتجاز بعد اختفائهم خلال الصراع المستمر منذ أكثر من عشر سنوات في سوريا. والاختفاء القسري هو اختطاف أو حبس شخص ما سراً، ورفض الاعتراف بمصيره وبمكان وجوده، بقصد إبقائه خارج حماية القانون. وفي توصيات هذه الدراسة، تدعم أطباء من أجل حقوق الإنسان بقوة اعتماد آلية جديدة للأمم المتحدة بشأن المفقودين في سوريا، وتحث على ضرورة أن يكون لأسر المفقودين والناجين من الاحتجاز والتعذيب دور ريادي.

وتنشر المنظمة هذه الدراسة في وقت تسعى الحكومة السورية فيه بنشاط إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة ومع المجتمع الدولي عموماً. وفي ضوء ما كشفته الدراسة، تدعو المنظمة الحكومات إلى استغلال هذه الفرصة الحاسمة لإجبار جميع أطراف النزاع السوري على التفاوض بشأن الإفراج عن المعتقلين ومطالبة الحكومة السورية بالشفافية حول وضع الأشخاص الذين قضوا أثناء الاحتجاز. وفي أي مفاوضات مع الحكومة السورية، تدعو المنظمة المجتمع الدولي إلى ضمان إعطاء الأولوية لخطط السلام والمساءلة التي يقودها الناجون عند اتخاذ القرارات.

يقول الدكتور حسام النحاس ,طبيب وحائز على شهادة الماجستير بالصحة العامة ، الذي شارك في إعداد التقرير، وهو طبيب سوري وناج من الاحتجاز عمل كباحث مختص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان (تشرين الثاني/نوفمبر 2020 – آب/أغسطس 2021): “كان العاملون الصحيون السوريون يعاملون بوحشية لا تُصدّق في مرافق الاحتجاز، وكان المحققون يقولون إن سبب التعذيب هو تقديمهم الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين. وهذا التقرير يثبت أن العاملين الصحيين المحتجزين بسبب علاج المتظاهرين الجرحى غالباً ما واجهوا نتائج أسوأ من زملائهم المحتجزين لأنهم كانوا معارضين سياسيين، وهو دليل مقلق جداً على حرب الحكومة السورية على العاملين الصحيين. وحتى في فترة الاحتجاجات السلمية الجماهيرية التي سبقت المعارضة المسلحة، كانت الحكومة السورية تحتجز وتعذب وتقتل وتخفي قسراً مئات العاملين الصحيين في جميع أنحاء البلاد. وتوضح دراستنا بجلاء أن أي مناقشات مستقبلية مع الحكومة السورية يجب أن تطالب بالإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين ظلماً فضلاً عن الشفافية التامة بشأن مصير العديد من المفقودين حتى يومنا هذا”.

يستند تقرير الدراسة بشكل أساسي إلى مجموعة بيانات مستقاة من 1,685 سجلاً وثقها سكان محليون عن احتجاز العاملين الصحيين بين كانون الثاني/يناير 2011 وكانون الأول/ديسمبر 2012. وجرى إعداد هذه البيانات من خلال تنقيح وتسجيل ودمج ثلاث مجموعات بيانات مستقلة قدمتها للمنظمة مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح والشبكة السورية لحقوق الإنسان ومركز توثيق الانتهاكات. كما أجرى فريق الباحثين مقابلات معمقة مع أربعة أعضاء من فريق طبي عمل في حلب عام 2012، ومراجعة نظرية لوثائق من مصادر مفتوحة لإنشاء جدول بتسلسل الأحداث والتحقق من الشهادات الواردة في المقابلات.

ونظراً لرفض الحكومة السورية طوال عقود السماح بالوصول إلى جهاز الاحتجاز الواسع لديها أو نشر معلومات عنه أو حتى الاعتراف بوجوده، فإن الدراسة غير قادرة على التعميم بشأن نطاق أو عدد حوادث احتجاز العاملين الصحيين وإخفائهم قسرياً واضطهادهم في سوريا. كما أن المخاطر الأمنية الشديدة على الناجين وأفراد أسرهم ووصمة العار التي تلحق بهم شكلت قيوداً إضافية على البحث وقد جرى استعراضها في الدراسة (انظر قسم “المنهجية”). إضافة لذلك، كان 18% فقط من حالات الاحتجاز الواردة في مجموعة البيانات (299 من أصل 1,685 حالة) يتضمن ملاحظات تذكر سبب الاحتجاز. ورغم هذه الثغرات، يقدم التقرير نظرة غير مسبوقة عن استخدام الحكومة السورية الاحتجاز والتعذيب والإخفاء لمعاقبة العاملين الصحيين وتقليل حصول المتظاهرين السلميين على الخدمات الصحية في مختلف أنحاء البلاد.

تقول سوزانا سيركين، مديرة السياسات في أطباء من أجل حقوق الإنسان: “بعد أكثر من عقد من الفظائع، يستحق السوريون العدالة والمساءلة عن الاختفاء القسري الجماعي لمعارضي النظام السوري والعاملين الصحيين الذين قدموا الرعاية للجرحى انطلاقاً من واجبهم الأخلاقي والمهني. وفي وقت سابق من هذا العام، قام تحالف من منظمات سورية تمثل الناجين وأسرهم وأفراد من عائلات المفقودين بصياغة “ميثاق الحقيقة والعدالة” الذي يضع أهدافاً لتحقيق الشفافية والإنصاف والمساءلة. ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان تدعو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى الاستماع إلى هؤلاء الناجين وتبني الميثاق بالكامل. فلا يمكن أن يكون هناك سلام دائم أو مصالحة بدون الحقيقة والعدالة، بقيادة الناجين وأسرهم”.

تحلل الدراسة حالات احتجاز العاملين الصحيين حسب المهنة، والعمر، والجنس، ومحافظة المنشأ، والمحافظة التي حدث فيها الاعتقال، وسبب الاحتجاز، ومدة الاحتجاز، وآخر وضع معروف. ومن بين العاملين المعروف أنهم اعتقلوا بسبب تقديم الرعاية الصحية، تم الإفراج عن 14% فقط؛ وتأكدت وفاة 10% أثناء الاحتجاز، فيما اختفى 75% أو اعتقلتهم الحكومة دون اعتراف أو إجراء قانوني.

وبين الحالات التي عرفت فيها مدة الاحتجاز، كان متوسط المدة 37 يوماً، وبحد أقصى 2,778 يوماً (7.6 سنوات). وبلغ متوسط الفترة بين الاعتقال والإبلاغ عن الوفاة 137 يوماً (نحو 4.5 شهراً)، وبحد أقصى 2,078 يوماً (5.7 سنوات).

يتضمن التقرير تسلسلاً زمنياً للوقائع في سوريا في عامي 2011 و2012 يستعرض الأحداث الرئيسية ويظهر التصعيد السريع لحملة القمع العنيف التي شنتها الحكومة السورية على الاحتجاجات السلمية في المراحل الأولى للانتفاضة السورية، بالإضافة إلى دراسة عيانية عن فريق مركز نور الحياة الطبي في حلب.

تشكل فريق نور الحياة بهدف تقديم الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين الذين كانت قوات الأمن تهددهم بالاعتقال والقتل إذا حاولوا التماس الرعاية في المستشفيات العامة. وفي غضون عام واحد فقط من تشكيل الفريق، اعتقل ستة من أعضائه الثلاثة عشر وتوفي أربعة منهم تحت التعذيب بحسب التقارير.

يقول فاضل عبد الغني، مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “يرسم هذا التقرير صورة واضحة لكيفية استهداف النظام السوري العاملين الصحيين منذ الأشهر الأولى للحراك الشعبي في عام 2011 بالاضطهاد والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري. ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحدث جهاراً عن هذه القضايا، لأننا لم نعد نسمع أي مطالب بشأن مصيرهم أو الإفراج عنهم. وعلى الدول إدانة الانتهاكات المستمرة بحق المعتقلين ومحاسبة النظام السوري. لقد تم نسيان التضحيات البطولية للعاملين الصحيين السوريين. وينبغي الكشف عن مصير جميع المختفين قسراً، بمن فيهم الكوادر الطبية، لوقف هذه الحلقة التي لا تنتهي من المعاناة والألم النفسي”.

إن نتائج تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان، إلى جانب التوثيق المكثف للانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز في سوريا والتي جمعت على مدار النزاع السوري، كافية للمطالبة بمحاسبة شاملة لانتهاكات القوانين المحلية وقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وإنصاف الضحايا.

يقول عبد الرحمن دباس، مدير العمليات في مشروع مركز توثيق الانتهاكات في سوريا التابع للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “يؤكد هذا التقرير العنف الواسع الذي تمارسه الحكومة السورية ضد المعارضة السلمية وكل من يقدم لها المساعدة الصحية، في انتهاك صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية. إن الحكومة السورية تستخدم هذه الانتهاكات كسلاح حرب، وأداة ضغط على خصومها، ووسيلة للابتزاز المالي، في تجاهل تام للاعتبارات الإنسانية والقانونية. إننا نحث المجتمع الدولي على إنشاء صندوق خاص لتعويض الضحايا ودعمهم في اكتشاف الحقيقة وإعادة الاندماج في الحياة الاقتصادية، وكذلك للضغط على الحكومة السورية للتوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”.

ويقول  ستيف كوستاس، المسؤول القانوني في مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح: ” تواصل حكومة الأسد ارتكاب الفظائع ضد شعبها مع الإفلات من العقاب. وهذه البيانات القوية، التي تتضمن تفاصيل احتجاز أكثر من 1600 كادر صحي، يجب أن تدعم الإجراءات الجنائية ضد المسؤولين عن الجرائم الدولية التي ارتكبتها الحكومة السورية، بما في ذلك بشار الأسد نفسه. وتتولى مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح تمثيل العديد من الأطباء في الإجراءات الجنائية الجارية، ونحن ندعو الدول إلى استخدام جميع الأدوات المتاحة لها – سواء عبر تنظيم ملاحقات قضائية عالمية أو جمع الموارد لتشكيل محكمة دولية – للتحقيق في هذه الجرائم وغيرها من الجرائم الفظيعة ومقاضاة مرتكبيها”.

أطباء من أجل حقوق الإنسان هي منظمة دفاع ومناصرة مقرها نيويورك، وتستخدم العلم والطب لمنع الفظائع

Get Updates from PHR